روائع مختارة | قطوف إيمانية | أخلاق وآداب | شبحٌ يسكن في دارنا!

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > أخلاق وآداب > شبحٌ يسكن في دارنا!


  شبحٌ يسكن في دارنا!
     عدد مرات المشاهدة: 2236        عدد مرات الإرسال: 0

يقول أحد الدعاة: بعثت إلي إحدى النساء برسالة تحكي مأساتها مع المخدرات تقول فيها:

قبَّح الله المخدرات، فقد سلبتني زوجي فقضيت زهرة شبابي أرملة وقد حرمت أطفالي من أبيهم، فمرت سنين طفولتهم وهم أيتام، وقد تتساءلون بعجب: فمن هو إذن الرجل الذي نراه يدخل بيتكم كل يوم ويخرج أتدرون من هو؟ إنه الشبح، شبح يسكن في بيتي كشبح اليهود في شوارع فلسطين..

ظلم، إعتداء، حرمان، فزع وقلق وإكتئاب، لن أذكر لكم عدد المرات التي ضربني فيها وصغاري لأني لا أحصيها، لن أحدثكم عن حالتنا النفسية المتردية وأسباب الشحوب التي يلون وجوهنا والرعب والفزع الذي تستطيع أن تلمحه بمجرد نظرة خاطفة في عيوننا، والفقر والحاجة التي أصبحنا نأكل منها كل يوم ونشرب، ناهيك عن حديث الناس وسمعتنا السيئة وبكاء صغاري الذي يفتت كبدي ويا ترى ما الذي جنوه ليُحرموا معنى الحياة الحقيقية التي تستحقه براءتهم وطفولتهم الجميلة..

لقد كان منزلي كالتنور، كلما دخله ذلك الوحش أوقد ناره وأشعله ولكني أيقنت أنه بلاء من الله، وقد ابتلي من هو أفضل مني فصبر وشكر، فلا بد من الصبر ولكنه الصبر العظيم الذي جعلته زاداً لي على طول هذا الطريق، لقد خسرت زوجي ولكن لي أمل في الله أن يعود وما ذلك على الله بعزيز..

حقيقةً ما كنت أنظر إلى حال زوجي حتى لا أفقد الأمل، بل كنت انظر إلى عظم الرب جلّ جلاله وقدرته وواسع رحمته فيتسع الأمل في أفقي ويزداد فأتوجه إلى الله بالدعاء كلّ حين بلا يأس أوفتور، أما ليلي الكئيب فقد ودعت فيه النوم منذ زمن إلا ما قلَّ وإنما كنت أقطع وحشته ووحدته وظلمته وأرقه بتلاوة القرآن ومناجاة الرحمن وأن أدرك أن فيه ساعة لا ترد فيها دعوة..

فكنت أدعو له كثيراً بالهداية وأن يعافيه الله من هذا البلاء وأن يخلف عليّ في ذريتي ويعنيني على حسن تربيتهم، حاولت أنفض من قلبي همّ هذا الزوج حتى لا يضنيني وأشغلته بأطفالي وجعلت أكبر همي تربيتهم تربية صالحة تقيهم بإذن الله من الوقوع في الزلل..

وكنت أتقرب إليهم بحبي المتدفق حتى أعوضهم حنان أبيهم وحتى أكسب قلوبهم فيحترمون رأيي ويستمعون لقولي لعلي أظفر بصالحهم، كنت حريصة على تنشئتهم على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ألحقتهم بحلق تحفيظ القرآن وحرصت على أن يحافظوا على أداء الصلوات في وقتها في المسجد وخاصة صلاة الفجر حتى إنهم عُرفوا حينها بذلك..

والحمد لله حينما يرجع زوجي إلى البيت فجراً عائداً من جلسات السكُر لم يكن بحاجة إلى مفتاح لأنه يجدني كل يوم خلف الباب أرقب صغاري وهم ذاهبون إلى المسجد في ظلام الليل ووحشته بلا أب يشعرون بالأمان بجانبه سوى إيمانهم بالله، ثم إحساسهم بعيني اللتين تسيران خلفهم حتى إذا اطمأن قلبي عليهم حمدت الله عز وجل ثم بسطت سجادتي في ساحة المنزل قريباً من الباب كي أسمع قرع نعالهم وهم مقبلون فأبادر إلى فتح الباب حتى لا أتأخر عليهم..

كنت أُسمعهم صوتي، وأنا أدعو الله لوالدهم وأحاول أن أملأ قلوبهم بأمل كبير في توبته وإعتزازاً بأنفسهم الطاهرة ولا أجعل من والدهم عائقاً لكل طريق صالح يريدون السير فيه، وكثيراً ما كنت أقول لهم: إن أباكم رجل طيب ولكن هذا السمَّ غيَّره وما يصدر منه لا يصدر بقصد لأنه فاقد لوعيه، وحينما يتركه سترون بأن والدكم رائع حقاً، فإرفعوا أيديكم وادعوا له فإنه مريض..

كنت كلما جلس عندي هادئاً قبل أن يغادر ليرتشف ذلك السم أهمس في أذنه بكل لطف لأذكره بحق جسده عليه وأنه ما زالت هناك فرصة للشفاء، أرهبه من الموت على هذا الحال وسوء الخاتمة، وأهديه بعض المطويات عن هذا الموضوع، أُذكره بجمال عهدي السابق معه، وبحبي أنا وأطفالي له وشوقنا إليه وأن مكانته ما زالت محفوظة في البيت وفي قلوبنا، لعلي بحديثي هذا أستخرج الخير الكامن في قلبه وأشجعه عليه وأنا أراقب بعد كل جلسة صدى حديثي ولكن!

وها هي سنيني العجاف تطوي لياليها وأيامها، كما أقطع صحاري جرداء مقفرة، طال إنتظاري حتى خشيت على نفسي من التخاذل، آه: ما أطول الإنتظار على من يتألم.

وفي يومٍ أذن الله فيه بالفرج، عظُم البلاء في جسد زوجي، إذ بلغ من الإعياء مبلغاً شديداً حُمل على إثره إلى مستشفى الأمل ليرقد على ذلك السرير الذي أظن أنه تعذب لشدة عذابه، ووقفت بجانبه أدعو الله وأشجعه على الصبر والإستمرار وأن العافية قريبة، وبعد أشهر خرج إنساناً آخر فحاولت بعد خروجه أن أكون بقربه لا أفارقه إلا نادراً، وحاولت أن أشغله بما أحل الله من متع حتى أفوِّت الفرصة على رفقاء السوء كي لا يصيدوه مرة أخرى مع دعائي الدائم له.. وها هو زوجي الآن رفيق القرآن والقرآن أنيسه كلَّ ليلة، بعد أن كان ليله سكراً وعهراً فلله الفضل والمنة وأدعو الله لنا بالثبات..

 

وقفــــــة:

إن للمسكرات والمخدرات الكثير من المضار، فبسببها تعم الفتن وتحدق الأخطار، فهي علة للخراب والدمار، ومجلبة لسخط الجبار، وسبيل مظلم يهدي إلى النار، وتزهق بسببها الأرواح يقول الله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً*وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً} [النساء:29-30]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن» البخاري.

فهي تفسد العقل والدين، وتورث صاحبها الفعل المشين، وتجعله في حال المبغض المهين، كم أتلفت من أموال، وساءت بسببها من أحوال، وأهدرت من طاقات، وضيعت من أوقات، انظروا إلى حوادث السيارات، وجرائم الإغتصاب والسرقات، كم يتَّمت من بنين وبنات، وأثارت من عداوات، وجلبت العار لأهل الفضل والمكرمات، كم طأطأت من رؤوس، وأذلَّت من نفوس، وهذا ما حذرت منه الشريعة وأكده الواقع الملموس.

فكيف يقدم عاقل على هذه السموم الفتاكة، والأدواء المهلكة، ومضارها تربو على مائة وعشرين مضرة، ما بين دينية وإجتماعية، وإقتصادية وصحية، يقول الحسن البصري رحمه الله: لو كان العقل يشترى لتغالى الناس في ثمنه، فالعجب ممن يشتري بماله ما يفسده..

الكاتب: شامل بن إبراهيم

المصدر: موقع ياله من دين.